لافروف: كل دولة من دول الأعضاء الجديدة في بريكس لديها سمعة وتعزز مكانة المجموعة
- في عام 2024، تتولى روسيا رئاسة مجموعة بريكس، حيث كان الحدث الرئيسي قمة قازان، كيف يمكنكم تلخيص أبرز نتائجها، وكذلك نتائج رئاسة روسيا للمجموعة ككل؟
- أظهرت القمة صعودًا متزايدًا وسريعًا لمجموعة دول بريكس، وكذلك رغبة متزايدة لدى عدد من الدول في الانضمام إلى نشاطاتها، حيث وجهت العديد من الدول طلبات رسمية للانضمام كأعضاء إلى المجموعة، وأعرب آخرون عن رغبتهم في أن يصبحوا دولاً شريكة. وهذه فئة جديدة تم الاتفاق عليها في قمة قازان.
في عام 2023، قمنا بزيادة عدد الدول الأعضاء من خمس إلى عشر دول. وفي هذه المرحلة، تم اتخاذ القرار بالاقتصار على إنشاء فئة الدول الشريكة، وتشكيل مجموعة لضمان أن يتكيف الأعضاء العشرة الجدد والقدامى في مجموعة بريكس مع التشكيل الجديد.
في هذا الصدد، قامت روسيا خلالها رئاستها للمجموعة بعمل كبير وشاق، حيث تم التوصل إلى تفاهمات مشتركة حول جميع القضايا الرئيسية تقريبا. فهناك دائمًا بعض التباينات، لكن تمكن الجميع من الاتفاق على الإعلان المعتمد بناءً على توازن المصالح. لم يحاول أحد، كما يحدث في المنتديات الغربية، ممارسة ضغوط على أي طرف أخر، بل تم البحث عن صيغ مقبولة بشكل مشترك والتوافق بشأن جميع القضايا.
من البنود الفريدة والمميزة في إعلان قازان، هو ضرورة زيادة تمثيل دول الجنوب والشرق العالمي بشكل كبير في آليات الحوكمة العالمية، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. أما فيما يتعلق بالنظام النقدي والمالي الدولي، يوجد إجماع على نقطتين رئيسيتين، الأولى هي المطالبة بمنح الدول النامية، خصوصًا دول مجموعة بريكس، نسبة من الأصوات في مجالس إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، باعتبارها الاقتصادات الأسرع نموًا، ولكي تتناسب مع وزنها الفعلي في الاقتصاد العالمي وحصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في الوقت الراهن تعتبر حصة هذه الدول من الأصوات مخفضة بشكل ملحوظ، حيث ترفض الولايات المتحدة بشدة إعادة توزيع الحصص والتنازل عن أصواتها، حيث تمتلك واشنطن "حزمة" تتيح لها استخدام حق النقض ضد أي قرار في صندوق النقد الدولي، هذه فوضى.
كذلك ينطبق الوضع على منظمة التجارة العالمية، فعلى مدى أكثر من عشر سنوات، تقوم الولايات المتحدة بتعطيل عمل هيئة تسوية النزاعات، التي تأسست منظمة التجارة العالمية من أجلها، حيث يتعين على الهيئة معالجة الخلافات التي تنشأ بين المشاركين في السوق، مثل الاتهامات المتعلقة بالمضاربات، ورفع الأسعار، وزيادة الرسوم الجمركية غير المبررة، ولكن الهيئة معطلة عن العمل بسبب عدم اكتمال النصاب فيها، ولا ترغب الولايات المتحدة في حل المشكلة.
قضية إصلاح الهياكل الدولية مستمرة وباقية على جدول أعمال المجموعة، وبالتوازي مع مرحلة ما قبل نهائية للرئاسة الروسية في بريكس هناك رغبة جامعة على إنشاء آليات دفع بديلة، بينها نظام للتسويات المالية بين البنوك القائمة على العملات الوطنية وآليات التأمين، التي بدورها لن تكون نواة معادية للنظام المالي القائم على الدولار بعد الحرب العالمية الثانية. إن وجود نظام متواز بات أمرا ملحًا وضروريًا في ضوء استخدام عملة الدولار بشكل متزايد كأداة هجومية في الاقتصاد العالمي، ويجعل الجميع عرضة للتهديد والخطر من تحكم الدولار، خاصة في ظل الوضع الصعب الذي تواجهه الولايات المتحدة في الوقت الرهن، فهي تشعر أن هيمنتها تتلاشى، لذلك تقوم باستخدام جميع الوسائل، بما فيها الأساليب الأكثر تطرفًا بهدف الحفاظ على هيمنتها العالمية.
المهمة المشتركة للمجموعة في الوقت الراهن، هي ضمان وتأمين عدم حصول تهديدات ومخاطر مماثلة، وذلك من خلال إنشاء أنظمة التسويات المالية ومنصات دفع مستقلة. هذه القضية كانت حاضرة بشكل لافت، خلال جدول أعمال قمة قازان واجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الدورية خلال العام الحالي، وتمت صياغة توصيات مبدئية غير مكتملة بهذا الخصوص، لكنها تتيح البدء بإنشاء أنظمة آمنة ومستدامة وطويلة الأجل. أنا على يقين بأن البرازيل، بصفتها الرئيس المقبل للمجموعة ستواصل العمل بهذا الشأن.
بالإضافة إلى ذلك، أجمع المشاركون على المبادرات القطاعية الأخرى، بما في ذلك المبادرة الروسية الداعية إلى بدء التحضير لإنشاء منصة(بورصة) تبادل حبوب خاصة بدول بريكس، ومنصات استثمارية وجيولوجية. هذه الفكرة تعود في المقام الأول إلى الدول الإفريقية المنضوية في مجموعة بريكس. بالإضافة إلى ذلك، طرحنا مشروعين لإنشاء مجموعات عمل تتعلق بالنقل والطرق اللوجستية والطب النووي، حيث لاقت المشاريع تأييدا خلال اجتماع قمة بريكس وإعلان قازان المشترك. وعندما انعقدت جلسة بصيغة "بريكس+/ أوتريتش"، خلال اليوم الثاني من فعاليات قمة قازان، أيد ممثلو 35 دولة، بما فيهم دول بريكس والضيوف المدعوين، هذا الموقف، وبالتالي ذلك يظهر التوجه الذي تطور خلال السنوات الماضية وتم تسريعه خلال رئاسة روسيا للمجموعة نظرًا للاهتمام المتزايد بمجموعة بريكس، التي بات يُنظر إليها على أنها حركة طليعية لعالم أكثر عدلُا في وجه الدكتاتورية والتعسف اللذين لا يزال "الغرب الجماعي" يستخدمها على نطاق واسع في العلاقات الدولية.
- كيف تقيمون نتائج تنفيذ أحد المجالات ذات الأولوية بالنسبة لروسيا في إطار رئاستها، وهو تعزيز التعاون البرلماني بين الدول المشاركة؟
- عُقدت عدة اجتماعات بين أعضاء الهيئات التشريعية والبرلمانية من دول بريكس والدول الشريكة للمجموعة، ضمن صيغة "بريكس+ أوتريتش"، ودول أخرى خارج المجموعة. فمثلاً، أقيمت فعالية بين برلمانات دول بريكس وغيرهم من المهتمين بنسج العلاقات، وذلك خلال عقد دورة للاتحاد البرلماني الدولي، التي تشارك روسيا فيها كعضو، في جنيف عام 2024. أما القضية الثانية في برنامجنا البرلماني المشترك فهي تتمحور بشأن تنظيم اجتماع للمرة أولى في بريكس لرؤساء لجان الشؤون الدولية في البرلمانات الوطنية. وكذلك اجتماع بريكس+ الذي سيصبح ركيزة دائمة في عمل ونشاط المجموعة في السنوات القادمة.
كما انعقد المنتدى البرلماني العاشر لدول بريكس، فهذا الهيكل موجود منذ فترة طويلة، حيث انضم إلى أعماله برلمانيون من الجمعية البرلمانية المشتركة لرابطة الدول المستقلة. كما شارك في أعمال المنتدى رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، رئيس البرلمان التنزاني، حيث حاول البعض انتقاده، لكنها كانت في غير مكانها الملائم لأن الاتحاد البرلماني الدولي، خصوصًا قيادته، يقوم دورها على التفاعل مع كافة الهياكل التشريعية للدول المشاركة. أرى مستقبلاً ايجابيًا للبعد البرلماني وسوف ندعمه بكل الطرق الممكنة.
- لقد ذكرتم بالفعل توسيع مجموعة بريكس، حيث انضمت إليها كل من مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ما هي التغيرات الإيجابية التي طرأت على الجمعية نتيجة انضمامهم؟
- زادت مكانتها وتوسعت نفوذها، إن مجموعة بريكس "الجديدة" (كما يقول رفاقنا الصينيون مجموعة بريكس الكبرى) تشكل بالفعل 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حال احتسابها على أساس القدرة الشرائية، حيث أشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى هذا الرقم، وأكد أنه أعلى نسبيًا من حصة دول مجموعة السبع من الناتج الإجمالي العالمي. و42% من سكان العالم هو رقم جدي، وأكثر من 30% من مساحة الأرض وربع صادرات السلع. ستواصل النمو باطراد مع زيادة الإنتاج الصناعي في دول بريكس والدول التي تسعى للانضمام إلى المجموعة.
أما بالنسبة للدول التي انضمت مؤخرا، مصر هي دولة رائدة ومن أكبر الاقتصادات والأكثر نفوذًا في شمال إفريقيا وفي منظمة جامعة الدول العربية. أما بالنسبة لإثيوبيا يقع فيها المقر الرئيسي للاتحاد الإفريقي، وتعمل أديس أبابا كشريك بصفتين: كشريك وطني وكممثل للاتحاد الإفريقي بأكمله. ومن جهة أخرى، جمهورية إيران الإسلامية تعتبر دولة قوية اقتصاديًا وتحتل المرتبة الثالثة من حيث احتياطيات النفط في العالم.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة فهي من المراكز المتقدمة في المجالات اللوجستية والتجارية الرائدة وفي مجال إعادة التصدير في الاقتصاد العالمي الحديث، ويدرك الجميع ذلك جيداً. من جهتها، تعد المملكة العربية السعودية زعيمة العالم الإسلامي وبلد الحرمين الشريفين. عمومًا يتمتع كل من هؤلاء بالسمعة التي يستحقوها، ويحظون بالاحترام في العالم وهم في المقابل يعملون على تعزيز مكانة وشعبية مجموعة بريكس نفسها.
- رقم آخر بعد توسيع بريكس، تجاوز مجمل عدد سكان الدول المنضوية في المجموعة 3.2 مليار نسمة. وفي هذا الصدد، هل يمكننا القول إن بريكس اليوم تؤثر على التوجهات العالمية ليس فقط ضمن إطار المجموعة، ولكن أيضًا في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟
- المجموعة تؤثر على العمليات الداخلية، فعندما يتلقى السكان معلومات حول عمل ونشاط بريكس ونجاحاتها والخطط التي تطرحها وما يتم تحقيقه، تتشكل إرادة جامعة لديهم للانضمام إلى هذه العملية العادلة والمفيدة. نلاحظ أنه خلال الانتخابات في دول الشرق العالمي يصوت الأغلبية لصالح السياسيين الذين يروجون لشعارات مماثلة ويعلنون رغبتهم بشكل أو بآخر التقرب من دول بريكس .
كما ذكرت في السابق هناك العديد من الدول الراغبة بالعضوية الكاملة في المجموعة، حيث سيتم النظر في هذه المسألة خلال العام المقبل، لكن الكثيرين يبدون رغبتهم في المشاركة في فعاليات بريكس. هؤلاء أكثر من 30 دولة، حيث سيتم الاتفاق على معايير تشكيل فئة "الدول الشريكة"، وقد وجهت الرئاسة الروسية دعوات إلى بعض الدول التي طلبت الانضمام إلى عملنا بعد قمة قازان، وهناك أكثر من عشر دول متفق عليها بإجماع من دول أعضاء بريكس الحاليين.
لقد اتفقنا أنه بمجرد أن نتلقى ردًا من الدولة المدعوة، سيتم الإعلان عن انضمام هذه الدولة إلى مجموعة بريكس كدولة شريكة، انطلاقا من هنا ستتاح لهم الفرصة للمشاركة في جميع فعاليات بريكس، بما في ذلك مؤتمرات القمة بصيغة " بريكس+/ أوتريتش" واجتماعات وزراء الخارجية والهياكل القطاعية (الطاقة والاقتصاد والتجارة والصحة والثقافة)، لكن من المؤكد أنه سيبقى هناك نموذج يشمل اجتماعات مخصصة فقط بدول الأعضاء .
- كيف يتطور التفاعل في مجال التعاون الثقافي والإنساني بين دول بريكس وبريكس+؟
- هناك العديد من الفعاليات التي أثارت اهتمامًا وصدىً واسعًا، بينها ألعاب بريكس الرياضية التي أقيمت للمرة الأولى في يونيو الفائت من هذا العام، خلال الصيف حيث تميزت بانفتاحها وشاركت فيها أكثر من 80 دولة، وتضمن رياضات مختلفة. وأنا متأكد من أننا سنسعى جاهدين لجعلها منتظمة.
على الصعيد الإنساني، يعتبر النشاط الحزبي مجالًا إنسانيًا، حيث انعقد المنتدى الدولي الأول بين الأحزاب، في فلاديفوستوك في يونيو 2024، الذي شارك فيه حوالي 40 حزبًا من دول بريكس والدول الشريكة. وأقيمت نشاطات مشتركة بين الأحزاب ضمن إطار "من أجل حرية الأمم!". الهدف هو أن تقوم الأحزاب الحاكمة وغيرها بتعزيز مهمة القضاء على بقايا الاستعمار، فهناك لا يزال عددا من الأراضي غير المستقلة. كما لا بد من الإشارة إلى أن الأساليب الاستعمارية القديمة والجديدة لا تزال حاضرة في التجارة الدولية. تتميز علاقات الغرب بإفريقيا على وجه التحديد بأنها قائمة على الأساليب الاستعمارية، حيث يتم تصدير المواد الخام، وتبقى كل القيمة المضافة والأرباح الناتجة عنها تبقى مع الغرب. في المجمل كان المنتدى ممتعًا ولقي استحسانًا كبيرًا.
كما شهدت مجموعة بريكس خلال الرئاسة الروسية فعاليات ونشاطات متنوعة أخرى، بينها منتديات تتعلق بالحكم والإدارة والمدن والأقاليم المحلية. بالإضافة إلى حلقات نقاش مثيرة للاهتمام بشأن حياة الناس ومعيشتهم، وتفاصيل أخرى تتعلق بالمشاكل التي تواجه رؤساء مجالس المدن والقرى وكيفية معالجتها، فكل ذلك يدخل ضمن إطار الحياة العامة للبشر .
في المجمل، أرى الكثير من المجالات التي ستغني تعاوننا الإنساني والثقافي. إن دول بريكس جميعها مدعوة العام المقبل للمشاركة في مسابقة الأغنية الدولية "Intervision" التي تنظمها روسيا. قررت أنا وزملائي من التلفزيون إعادة إحياء الاسم الذي كان خلال الحقبة السوفييتية، الذي يعني مسابقة موسيقية للدول الأعضاء في مجلس الدعم الاقتصادي المتبادل، حيث سيصبح "التدخل" عاملاً ثقافياً مهماً للجميع، الذي بدوره سيرسل إشارة إلى الإنسانية مفادها أنه من الأفضل التوحد والمشاركة والعيش معًا على كوكب واحد بدل الوحدة والانعزال.
-أغنية عبر الحياة (مقطع من أغنية روسية مشهورة)؟
- مع أغنية عبر الحياة.
- يلعب تبادل الإعلامي دوراً هاماً في تطوير الشراكات بين دول بريكس وبريكس+، كيف تقيمون افتتاح المركز الإعلامي والثقافي لمجموعة بريكس+ في موسكو؟
- إيجابي، حيث كان لوزارة الخارجية دور في هذا الموضوع، وقد شارك ممثلنا الرسمي في عملية الإعداد والتحضير لحفل افتتاح هذا المركز. كما أقيمت فعاليات كبرى في المجال الإعلامي خلال عام 2024. ففي سبتمبر الماضي عقدت قمة إعلامية تزامنًا مع الذكرى الـ 120 لتأسيس وكالة تاس، حيث تخلل القمة عروضًا مثيرة للاهتمام، وأبدى المشاركون إعجابهم بهذا التفاعل. وبطبيعة الحال، سوف نستمر في استخدام قدراتنا، بما في ذلك المركز الإعلامي الثقافي والإعلامي لدول بريكس+ الذي تم إنشاؤه حديثا.
- لقد ذكرتم من قبل أن روسيا ستنقل رئاسة بريكس إلى البرازيل، وتحدث إلى موضوع نظام الدفع، ما هي المواضيع والنتائج الأخرى التي تتوقعونها من عمل المجموعة في عام 2025؟
- أعتقد أن ضمن أولويات الرئاسة البرازيلية لمجموعة بريكس ستكون منصة الدفع، وآليات التسوية المالية، وآليات التأمين. لقد طرح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في عام 2023، خلال قمة بريكس في جوهانسبورغ، موضوع أنظمة الدفع البديلة، حيث عمل وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية على الموضوع بعد إقرارها في إعلان جوهانسبورغ. هناك تقدم، ولكن علينا أن نصل بالأمر إلى نهايته حتى تكون هناك بالفعل آليات جاهزة للاستخدام. وبالتالي ليس لدي أدنى شك في أن زملائنا البرازيليين سيعملون بجهد إضافي، نظرا لأن هذه مبادرة مقدمة من رئيسهم. أعتقد أن الرئيس لولا دا سيلفا سيشرف ويتأكد بنفسه من أن هذا الموضوع هو من ضمن الأولويات.
كما نأمل (وأنا متأكد من أن هذا سيحدث) أن نواصل العمل على المبادرات الروسية، بينها منصة لتبادل الحبوب،ومنصة استثمارية، ومجموعة للنقل والطرق اللوجستية والطب النووي، فهي أمور عملية بحتة يهتم بها جميع المشاركين في بريكس وليس لدي شك في ذاك، وسنقوم بدعم البرازيليين بنشاط.
وبطبيعة الحال، ستبقى النواة الفلسفية لعمل المجموعة قائمة، وأعني التوجه العام لجعل العلاقات الدولية ديمقراطية، وزيادة دور الدول النامية والأغلبية العالمية في آليات اتخاذ القرارات العالمية. بالإضافة إلى ما أشرت إليه سابقًا فيما يتعلق بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وسيستمر هذا العمل بالتوازي مع إنشاء نظامنا الخاص المستقل عن المخاطر والتهديدات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، تمثيل أكثر إنصافاً لبلدان جنوب وشرق العالمي في آليات الحوكمة العالمية يتطلب إصلاحات داخل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها.
لقد أكدنا موقفنا بوضوح، نحن نؤيد حصريًا زيادة تمثيل بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. إن الغرب ممثل بشكل غير عادل هناك، فمن بين خمسة عشر عضواً في مجلس الأمن، هناك ستة يمثلون الغرب، وهذا لا "يتفوق" على أي إحصاءات تتعلق بالسكان والإنتاج الصناعي وحجم البلدان المعنية. وعلى وجه التحديد، فإننا نؤيد الهند والبرازيل والمبادرة الجماعية التي يروج لها الاتحاد الإفريقي لإصلاح مجلس الأمن.
لم أكن لأشرح جميع جوانب عملنا في قازان لو لم أتطرق إلى العديد من موضوعات السياسة الخارجية التي أثيرت في المناقشات وأقرت في إعلان قازان، حيث تم إيلاء اهتمام خاص للأزمة في منطقة الشرق الأوسط، وكارثة الشعب الفلسطيني، والتي تمتد الآن إلى البلدان المجاورة في لبنان، العراق، سوريا، اليمن، حيث يحتوي الإعلان على فقرة هامة إلى حد ما حول ضرورة وقف إراقة الدماء بشكل عاجل.
كما تطرقنا إلى الأزمة الأوكرانية، حيث سعت روسيا بشكل استباقي عقب الاستعدادات للقمة وخلالها مناقشة هذا الموضوع، حيث تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن ذلك أيضًا. لقد توافقنا في الإعلان الختامي على صيغة مهمة ذات أهمية أساسية في الإعلان، والتي تضمنت مواقف الدول المعروفة عن الأزمة الأوكرانية، التي عبر عنها في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي المنتديات الأخرى، حيث تم التأكيد في الإعلان على وجوب البحث عن حلول تستند إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة بشكل كامل ومترابط. في الوقت الراهن خرجت العديد من المبادرات فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية (العديد منها تمت صياغتها بأفضل النوايا)، لكن لم تحتوي أي منها على عبارة مفادها أنه لا ينبغي تطبيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة بشكل انتقائي، بل يجب تطبيقها بشكل شامل.
ماذا يعني هذا؟ يفضل الغرب الحديث عن أوكرانيا، ذاكرا فقط مبدأ وحدة الأراضي بطريقة تبدو كأنه لا توجد مبادئ أخرى في ميثاق الأمم المتحدة. ولكن الميثاق يتضمن أيضًا مبدأ تقرير الشعوب بتقرير مصيرها، فالجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت بوجوب احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول التي تحترم حكوماتها مبدأ تقرير المصير للشعوب، وبالتالي تعطي حقا لسكانها باختيار مصيرهم ومكان عيشهم. وهل النظام العنصري الذي تشكل في كييف بعد انقلاب 2014 يمثل جنوب شرق أوكرانيا أو شبه جزيرة القرم التي رفضت قبل عشر سنوات الاعتراف بالانقلابيين؟
ميثاق الأمم المتحدة هو الأهم، حيث يلزم جميع أعضاء الأمم المتحدة باحترام حقوق الإنسان، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. أما الغرب الذي يصرخ في كل زاوية ولجميع الأسباب بأنه "نصير حقوق الإنسان"، لم يذكر هذا الأمر قط أثناء الأزمة الأوكرانية.
في الحقيقة، القوانين التي تم اعتمادها على مدى السنوات العشر الماضية، بما فيها حظر استخدام اللغة الروسية في مجالات التعليم ووسائل الإعلام والثقافة وفي الحياة اليومية، تنتهك بشكل صارخ ميثاق الأمم المتحدة، وأصحاب ومناصري التسوية يلا يريدون ملاحظة ذلك، ولم يلاحظوا كذلك الحظر المفروض على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، فالنظام النازي في كييف ينتهك بشكل صارخ المبادئ الأساسية للميثاق، في حين يمدح الغرب أوكرانيا ويقول إنهها تدافع عن "القيم الأوروبية"، لكن يجب فضحهم وإجبارهم على قول الحقيقة.
وبهذا المعنى، فإن حقيقة إعلان قمة قازان فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية قد عزز لأول مرة نهجًا يتطلب احترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة بشكل كامل. اعتبره أحد إنجازاتنا السياسية الرئيسية، خصوصًا أن دول محترمة ومؤثرة ونشطة سياسيا كانت شريكة في التوقيع على الإعلان النهائي.
يمكنك دائما أن تفعل شيئا أفضل، ولكننا سعداء بالكيفية التي تسير رئاسة روسيا للمجموعة، وكيفية تنظيمنا للفعاليات الختامية في قمة قازان.
مصدر الصورة: TV BRICS