دور بريكس في تعزيز التعددية الاقتصادية والشمولية العالمية
تشهد مجموعة بريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تحولًا استراتيجيًا بعد انضمام دول جديدة هي مصر وإيران وإثيوبيا والسعودية والإمارات. وتعد هذه الخطوة مؤشرًا على تصاعد أهمية المجموعة كمنصة للتعاون بين دول الجنوب العالمي. ونقلًا عما ذكرته الكاتبة جوان شين من وكالة CGTN، الشريك الإعلامي لشبكة TV BRICS، فإن هذا التوسع يحمل إمكانات كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي.
وأضافت شين قائلةً: "من المتوقع أن تتجاوز مساهمة المجموعة في النمو الاقتصادي العالمي نسبة 50 بالمئة، مع إجمالي ناتجها الاقتصادي المحسوب على أساس تعادل القوة الشرائية. إن هذا التوسع يظهر إمكانات كبيرة للمجموعة في دفع عجلة التعافي الاقتصادي العالمي وتوفير الزخم اللازم لمواجهة تحديات التنمية الراهنة".
ويؤكد الخبراء أن هذا التوسع يجعل بريكس نموذجًا أكثر شمولية لدول الجنوب العالمي، مما يتيح لها توحيد الموارد وتعزيز التعاون الإقليمي.
كما صرح نيكولاي ياكوشيف، الباحث في مركز الأبحاث بفولوجدا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، في تصريح حصري لشبكة TV BRICS بأن مجموعة بريكس+ تعد مصدّرًا رئيسيًا للأسمدة، والمنتجات المعدنية وشبه المصنعة، والأخشاب، إلى جانب كونها لاعبًا بارزًا في سوق تصدير السيارات وصناعة السفن والأجهزة الرقمية والمعدات الإلكترونية. ويشير الباحث إلى أن هذه المعطيات تعزز من تأثير مجموعة بريكس+ في الاقتصاد العالمي.
مبادرات بريكس المشتركة وإنشاء بنك التنمية الجديد
تتضمن مبادرات بريكس الاقتصادية التعاون في سلاسل الإمداد والاستثمار في التجارة والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى الشراكات التكنولوجية. ومن أبرز مشاريع التعاون بين دول بريكس تأسيس بنك التنمية الجديد (NDB) عام 2014 من قبل الأعضاء المؤسسين للبنك (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا). ومنذ تأسيسه، أصبح البنك مصدرًا رئيسيًا للتمويل ليس فقط للدول الأعضاء، ولكن أيضًا للدول الجديدة المنضمة لمجموعة بريكس+.
وبحسب الموقع الرسمي لبنك التنمية الجديد، فقد قام البنك بتمويل أكثر من 100 مشروع بحلول نهاية عام 2023، بقيمة تفوق 34 مليار دولار أمريكي في صورة قروض مخصصة للبنية التحتية والطاقة النظيفة والنقل والتنمية الحضرية. وساعد هذا التمويل في سد فجوة التمويل التنموي، خاصة في مشاريع الطاقة الخضراء والتنمية المستدامة، مما دعم دول بريكس في المساهمة في الأهداف المناخية العالمية.
وأشار ياكوشيف إلى مجالات التعاون بين دول بريكس في دعم تنمية الجنوب العالمي.
“يركز دور بنك التنمية الجديد (NDB) في دول بريكس+ بشكل أساسي على مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالتنمية المستدامة. وتساهم المشاريع الجارية وخبرات بريكس الحالية في تطوير البنية التحتية والتكنولوجيا في دول الجنوب العالمي، وخاصة في مجالات ممرات النقل والخدمات اللوجستية، والطاقة، إلى جانب الرعاية الصحية، والوصول الرقمي، والأمن السيبراني”
نيكولاي ياكوشيف باحث وخبير في التجارة الدولية
كما أوضح الخبير أن توسع مجموعة بريكس قد أعاد تركيز بنك التنمية الجديد على استيعاب الدول الأعضاء الإضافية، مما يسمح لدول مثل مصر والإمارات بالمشاركة في مشاريع تنموية تعزز الاستقرار الإقليمي والشمولية الاقتصادية. وبهذا، يعزز بنك التنمية دوره كمنصة تعكس أولويات الجنوب العالمي، مما يجعل من بريكس إطارًا تعاونيًا للنمو المستدام.
التكامل التجاري والاقتصادي بين دول بريكس
شهدت التجارة بين دول بريكس نموًا كبيرًا، حيث ارتفعت معدلات التجارة بالعملات المحلية داخل المجموعة، مما يتماشى مع هدفها لتعزيز الاعتماد المتبادل بين الدول الأعضاء. كما نمت التجارة الداخلية لدول بريكس بين عامي 2017 و2022، بنسبة 56 بالمئة، ومع انضمام الأعضاء الجدد يتوقع أن يتسارع هذا النمو في دول بريكس+.
وبحسب إحصائيات وكالة CGTN، فإن التجارة بين الصين والدول الأخرى الأعضاء في بريكس تزيد باستمرار، حيث ارتفعت قيمة واردات وصادرات الصين مع روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا من 132.84 مليار دولار أمريكي في عام 2009 إلى 597.46 مليار دولار أمريكي في عام 2023. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من 2024، بلغت قيمة تجارة الصين مع دول بريكس الأخرى 638.85 مليار دولار، بزيادة نسبتها 5.1 بالمئة على أساس سنوي.
ولتعزيز التعاون بين دول بريكس، أنشأت الصين مؤخرًا مركز تطوير وتعاون الذكاء الاصطناعي بين دول بريكس، بهدف تعميق التعاون الابتكاري مع الدول الأعضاء والاستفادة من قوة التكنولوجيا التحويلية. كما التزمت الصين بإنشاء عدة مؤسسات رئيسية لدعم التعاون بين دول بريكس، مثل: مركز الأبحاث الدولي للموارد البحرية العميقة، ومركز التعاون في المناطق الاقتصادية الخاصة بين دول بريكس والصين، ومركز القدرات الصناعية لدول بريكس في الصين، وشبكة التعاون في النظام الرقمي لصناعة بريكس.
ولا يزال أمن الطاقة يشكل محورًا هامًا بالنسبة لدول بريكس+، حيث تملك المجموعة ما يقارب نصف احتياطيات النفط الخام في العالم، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا في أسواق الطاقة العالمية. ومع مواصلة بريكس جهودها لتحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة، تعمل دول مثل روسيا والمملكة العربية السعودية مع الدول الأخرى لبناء بنية تحتية للطاقة تعزز الاستقرار الإقليمي وتقلل من الاعتماد على الأطراف الخارجية.
تعزيز التعددية والنظام العالمي متعدد الأقطاب
تهدف دول بريكس إلى تعزيز التعددية من أجل تحقيق تنمية عادلة على المستوى العالمي وتعزيز دور الجنوب العالمي كقوة محورية في الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في نظام عالمي متغير، بحسب ما ورد في إعلان قمة قازان 2024.
وأوضح رسلان غريبنف، نائب عميد كلية العمليات وإدارة سلسلة التوريد العالمية بجامعة موسكو الحكومية، في تصريح حصري لشبكة TV BRICS، كيف تسعى بريكس لتعزيز التعددية والنظام العالمي متعدد الأقطاب.
""تكمن جدية منهج بريكس في إدراج القضايا الخالية من التناقضات بين الدول الأعضاء ضمن أجندة المجموعة. هذا النهج يعزز بناء الثقة المتبادلة، ويفتح آفاق تطوير العلاقات الدولية. هذه هي أساسيات النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي يسعى لتحقيق العدالة في العلاقات الدولية"
رسلان غريبنف خبير العلاقات الدولية
وأكد الخبير أن التوجه نحو نظام متعدد الأقطاب أصبح واقعًا لا رجعة فيه، ويستقطب المزيد من الدول. ويبدو أن بريكس+ تقدم نموذجًا عمليًا لتحقيق هذا الهدف، من خلال تعاونها الاقتصادي والسياسي المتنامي.
مع توسع مجموعة بريكس واستمرار مبادراتها لتعزيز التعاون بين دول الجنوب، تتجه الأنظار نحو المستقبل الواعد الذي تعد به هذه المجموعة. ومن المتوقع أن تسهم بريكس+ بدور أكبر في تشكيل نظام اقتصادي عالمي أكثر شمولية واستدامة.
مصدر الصورة: iStock